الدرس الثالث: تعريف لهندسة مواد النانو
 

بِسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خالقي والصلاة والسلام على سَيِّدي محمد رسول الله وعلى آله.

تحفيز

تعرفت في الدرسين الماضيين على معنى العلم وبعض فروعه وعلى تعريف لعلم مواد النانو. ولكنك قد تلاحظ أن مصطلح "تقنية النانو" قد أصبح منتشرًا بين مختلف شرائح المجتمع أكثر من مصطلح علم مواد النانو. وذلك لأن تقنية النانو ترتبط بالتطبيقات العملية وبراءات الإختراع، بينما يرتبط علم مواد النانو بالأبحاث العلمية. ومن المعروف أن أخبار التطبيقات العملية تحظى بوصول لشرائح مختلفة من المجتمع بعكس نتائج الأبحاث العلمية التي لا يقرأها إلا المتخصصين والمهتمين. فما هو التعريف العام لتقنية النانو؟ ولماذا اخترتُ في هذه الدروس استخدام مصطلح "هندسة مواد النانو" بدلاً من تقنية النانو؟! ستتعرف في البداية على معنى كلمة هندسة وتقنية وتعريف لهندسة مواد النانو.

معنى كلمة هندسة

1- "وأما الهندسة، فكلمة فارسية معربة، وفي الفارسية: إندازة، أي المقادير. قال الخليل: المهندس: الذي يقدر مجاري القنى ومواضعها حيث تحتضر، وهو مشتق من الهندزة، وهي فارسية، فصيرت الزاي سينا في الإعراب، لأنه ليس بعد الدال زاي في كلام العرب. وقد يقع هذا الاسم على تقدير المياه، كما قال الخليل، لأنه نوع من هذه الصناعة وجزء لها."¹

2- "هندس الشَّخصُ البناءَ وغيره؛ صمَّمه وأنشأه على أسس علميّة."²

تعريف لهندسة مواد النانو

1- هندسة مواد النانو: تصميم وتحضير مواد النانو أو تصميم وإنشاء الأجهزة وغيرها المحتوية على مواد النانو أو تصميم وإنشاء الأجهزة وغيرها التي تحضر وتصف مواد النانو، ويتم كل ما سبق على أسس علم مواد النانو. وسيتم شرح هذا التعريف في الدرس القادم إن شاء الله.

2- تعتمد هندسة مواد النانو على دراسة واستخدام العلاقة بين خصائص مواد النانو وبين وظائفها أو كفاءة أداء الأجهزة المحتوية على مواد النانو، وتسمى هذه العلاقة بعلاقة التوصيف-التوظيف أو التوصيف-الأداء. بالإضافة لاعتماد هندسة مواد النانو على علاقة التحضير-التوصيف التي تم ذكرها في الدرس الماضي.

3- تستلزم الهندسة الموازنة بين مراعاة الأمان والكفاءة والتكلفة أثناء التصميم والتحضير أو الإنشاء.

تقنية النانو أم هندسة مواد النانو؟

1- أصل كلمة تقنية في اللغة العربية يعود إلى كلمة تقن: "تقِنَ يَتقَن، تَقَنًا وتَقانةً، فهو تِقْن وتَقِن. تقِنَ الشَّخصُ: حذِق وأجاد. أتقنَ يُتقن، إتقانًا، فهو مُتقِن، والمفعول مُتقَن. أتقنَ العملَ: أحكمه أجاده، ضبطه."³

2- وهذا هو أحد التعاريف المعتمدة : " تِقْنِيَّة [مفرد]: ١ اسم مؤَّنث منسوب إلى تِقْن "تُعِدُّ المعاهد التِّقْنِيَّة خبراء تِقْنِيِّين في مختلف الحقول". ٢ مصدر صناعيّ من تِقْن: أسلوب أو فنِّية في إنجاز عمل أو بحث علميّ ونحو ذلك، أو جملة الوسائل والأساليب والطرائق التي تختص بمهنة أو فن "تقنيّة القصة/ الرواية/ البناء – يتميز العصر الحديث بتقدم التقنيات في مختلف الميادين". "⁴

3- أما كلمة التكنولوجيا فهي مرادفة لكلمة التقنية. "تِكنولوجيا [مفرد]: تِقْنِيَّة، أسلوب الإنتاج أو حصيلة المعرفة الفنية أو العلمية المتعلقة بإنتاج السلع والخدمات، بما في ذلك أدوات الإنتاج وتوليد الطاقة واستخراج الموادّ الأوليّة ووسائل المواصلات، وتسمى أحيانًا العلم التطبيقيّ ."⁵

4- باستخدام التعريف السابق للتقنية فإن تقنية النانو بصفة عامة ومبسطة هي جملة الوسائل والأساليب والطرائق التي تختص بمواد النانو أو بالأجهزة وغيرها المحتوية على مواد النانو أو بالأجهزة التي تحضر وتصف مواد النانو.

5- بالرغم من تشابه المعاني والتعريفات لهندسة مواد النانو وتقنية النانو، إلا أنه يمكن اعتبار أن مصطلح هندسة مواد النانو أكثر تحديدًا ووضوحًا من مصطلح تقنية النانو. ولذلك تم تفضيل اسخدام مصطلح "هندسة مواد النانو" في هذه الدروس.

ملاحظة: قد تختلف التخصصات الهندسية عن التخصصات التقنية في بعض الجامعات والمعاهد من حيث طبيعة الدراسة والتطبيق العملي ومسمى المتخرج (مهندس، تقني). وقد تختلف أيضًا طبيعة المهام الوظيفية والمسمى الوظيفي للمنهدس والتقني حسب درجة المؤهلات وجهات العمل.

المهارة المرتبطة بهذا الدرس: الموازنة والمفاضلة

بما أن الهندسة تسلتزم الموازنة بين معايير الأمان والكفاءة والتكلفة، فعلى مهندس مواد النانو أن يتدرب على مهارة الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات لاتخاذ قرارات جيدة عند اختيار العناصر والمركبات المستخدمة في تحضير مواد النانو أو عند اختيار مواد النانو التجارية لاستخدامها في تطوير جهاز أو غيره. فلا يكتفي مثلاً بأن تُحقق أحد مواد النانو تحسنًا في كفاءة أحد الأجهزة الإلكترونية بدون التعرف على مدى أمان هذه المواد (مثل القابيلة العالية للاشتعال أو قابليتها لتسميم البيئة) أو بدون التعرف على التكلفة المطلوبة. بل عليه دراسة كافة الجوانب المتعلقة بالأمان والكفاءة والتكلفة.

وقد تسمى مهارة الموازنة بالمفاضلة عندم عدم وجود مادة تجمع بين تحقيق الأمان والكفاءة والتكلفة لتصميم أو تحضير مادة نانوية أو جهاز وغيره. فمثلاً قد ينشر الباحث العلمي بحثًا يثبت فيه أن نانو الذهب أو نانو الألماس لها خصائص مميزة تمكنها من تحسين كفاءة أحد الأجهزة الإلكترونية بمستوى أعلى من بدائل أخرى. ولكن في المقابل لا يفضل المهندس أن يستخدم  نانو الذهب أو نانو الألماس في تصميم وإنشاء الجهاز الإلكتروني بكميات تجارية لأن تكلفته ستكون مرتفعة جداً، بل سيفضل استخدام بدائل أخرى أقل تكلفة وإن كانت تحسن كفاءة الجهاز بمستوى أقل. ويبقى معيار الأمان هو المعيار الأهم والذي يجب على المهندس تفضيله والتعرف عليه وتوضيح احتياطات السلامة خاصة عند التعامل مع المواد والأجهزة الخطرة.

ويمكن التعرف على مدى الأمان لكل مادة كيميائية في صحيفة بيانات سلامة المادة (Material Safety Data Sheet) ويرمز لها بالرمز (MSDS). ويوجد في هذا الموقع http://www.ilpi.com/msds روابط للعديد من المواقع التي تقدم صحائف بيانات سلامة المواد. بالإضافة إلى أنه يحتوي على روابط للكثير من المواقع التي تنتج وتبيع المواد الكيميائية ومنها مواد النانو، حيث يمكن من خلالها التعرف على تكلفة المواد بشكل تقريبي. مع ملاحظة أن سعر شراء مادة معينة بكميات القليلة يكون عادة أغلى من سعر نفس المادة عند شرائها بكميات أكبر (بالجملة).

الواجب العملي

يوجد في أغلب صحائف بيانات سلامة المادة وعلى عبوات المواد الكيميائية رمز بشكل معين مقسم لأربع معينات ملونة متعلقة بأربع خصائص كيميائية وفيزيائية للمادة. وفي كل معين يوجد رقم يشير إلى درجة خطر تلك الخاصية. ما هي هذه الخصائص؟ وما هو اللون الممثل لها في الرمز المعين؟ أرجو أن ترسل الإجابة – إن أردت أو إن استطعت – في المكان المخصص للتعليقات أسفل هذه الصفحة. كما وأرحب بأي ملاحظة أو تصحيح أو سؤال عن هذا الدرس.

القراءة الخارجية

توجد الكثير من الشركات التي  تعلن أن بعض منتجاتها تعتمد على تقنية النانو أو تحتوي على مواد نانوية. أي أن تلك المنتجات تعتمد على نتائج أبحاث علمية في علم مواد النانو وبراءات اختراع في هندسة مواد النانو. وتتنوع استخدامات مواد النانو في العديد من المجالات والتطبيقات والمنتجات. ولمعرفة بعض الأمثلة أنصحك بقراءة وصف بعض المنتجات المذكورة في هذا الموقع: http://www.nanowerk.com/products/products.php

السلوك المرتبط بهذا الدرس: الإتقان

بما أننا تعرفنا في هذا الدرس على أصل كلمة تقنية (من التقن والإتقان) وتعريف لهندسة مواد النانو وأنها تعتمد على عمليات التصميم والتحضير أو الإنشاء، وبما أن هذه العمليات تتطلب الدقة العالية خاصة مع مواد بمقياس النانومتر، فعلينا التذكير بأهمية الحرص على الإتقان. حيث أن عدم الإتقان يؤدي لضعف جودة المادة المصممَة والمحضرَّة أو انخفاض كفاءة الجهاز المصمَم والمُنشأ. ويشتمل الإتقان أيضًا على الاجتهاد في البحث عن أفضل الخيارات والبدائل لتحقيق الموازنة بين الأمان والكفاءة والتكلفة عند اختيار المواد أو طرق التحضير وغيرها.

ولا يساهم التحلي بصفة الإتقان في تحسين التصاميم والمنتجات فقط وبالتالي تعمير الأرض، بل إن هذه الصفة تساهم أيضًا في كسب محبة من الله سبحانه. "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ"⁶.  ومن المهم أن يخلص المتقن نيته من إتقانه لعمله إرضاءً لله وليس لنيل إعجاب الناس بعمله المتقن. وأنصح بقراءة هذه الخطبة من موقع النابلسي للعلوم الإسلامية عن الإتقان في شتى المجالات:

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=570&id=44&sid=46&ssid=48&sssid=49

وصلى الله على سَيدنا محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

المراجع