بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ القائلِ في أولِ سورةٍ أُنزلتْ على سيدِنا محمدٍ صلى اللهُ عليه وآلِه : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾ من سورة العلق
تُقدم سلسلة مقالات
رِحْلَةُ التَّعَلُّم
الكاتبة: نُهى عَلوي الحِبشي
مقدمة
أعتقدُ أننا جميعًا بتنَوعِ أعمارِنا وثقافاتِنا نريدُ أن نعيشَ بسلام، سلامٍ داخليٍّ وخارجيّ، أي في تصالحٍ داخليٍّ بين قناعاتِنا وبين سلوكياتِنا؛ حتى نتفادى لومَ أنفسنِا وننالَ الطمأنينةَ والرضا والسعادة، وفي تصالحٍ خارجيٍّ مع من حولنِا؛ حتى ندفعَ ضرَّهم ونكسبَ نفعَهم ووُدَّهم. ولكني لاحظتُ أن كثيرًا منَّا – بمن فيهم نفسي – نحتاجُ إلى معرفةِ خطواتِ العيشِ بالسلامِ الداخليِّ والخارجيّ، والتدربِ على اتباعها. فقررتُ كتابةَ سلسلةٍ من المقالاتِ تشجعُنا على السيرِ في رحلةٍ ننتقلُ فيها بواسطةِ التعلمِ من حالٍ إلى حالٍ أفضلَ – بتوفيقٍ منَ اللهِ سبحانه – حتى نصلَ إلى مقصدِنا وهو السلام.
ورحلةُ التعلُّمِ فيها من المتطلباتِ والمساراتِ ما قدْ نغفلُ عنهُ أو يُحيرُنا؛ فيُعيقَ تقدمَنا في الرحلة. لذلكَ نتعرفُ في هذه المقالات على المتطلباتِ التي نحتاجُ أن نتأكدَ من توفرِها فينا. ثم نُفرِّقُ بين المساراتِ الأساسيةِ التي علينا أن نسيرَ فيها خلالَ رحلتِنا، وبين المساراتِ الفرعيةِ التي يمكنُ أن نختارَ منها.
ولا أزعمُ أني قد اكتشفتُ معلوماتٍ جديدةٍ متعلقةٍ بالتعلُّمِ والسلام، بل جمعتُ مما قرأتُه ولخصتُه وأعدتُ صياغتِه بأساليبٍ قد تكونُ جديدة. ولا أزعمُ أيضًا أن قراءتَنا وحدَها تكفي لنعيشِ بسلام، بل نحتاجُ أيضًا إلى أن نتدربَ على تطبيقِ ما نتعلَّمُه من هذه المقالاتِ وغيرِها، ونحتاجُ إلى المراجعةِ والتذكيرِ والمساعدةِ فيما بيننا. وقبلَ هذا وذاك نحتاجُ إلى الاستعانةِ بخالقِنا وإلى طلبِ التوفيقِ منهُ سبحانَه وتعالى، إنهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
نبدأ السير في رحلة التعلُّم بأن نتعرف على متطلبات الرحلة، ونحاول تحقيقها. فالمتطلبات تُعتبر أمورًا وأشياءً أساسية لا غنى عنها، وإذا بدأنا السير بدونها فلن نستطيع أن نتعلم ولا أن نصل إلى السلام. ويمكن تشبيه المتطلبات بالمفاتيح التي تفتح لنا أبواب التعلم والسلام. وقد لخص الإمام الشافعي[1] – الـمُتوفَّى في عام 204هـ/820م – أهم متطلبات التعلُّم في أبيات شعرية ما زالت متداولة إلى عصرنا:
أخي لَن تَـنَــالَ العِـلْمَ إلَّا بِـسِـتَّـةٍ سأُنبيك عَنْ تَـفْـصيلِهَا بِبَيانِ
ذَكَاءٌ، وَحِرْصٌ، واجـتِهَادٌ، وَبُلْغَةٌ وَصُحْبَةُ أُسْتَـاذٍ، وَطُـولُ زَمَـانِ
وفي المقالات القادمة توضيح لمعنى وأهمية كل من هذه المتطلبات – المفاتيح – وكيفية تنميتها، ليس بالاكتفاء فقط بمعانيها القديمة أو العامة، بل أيضًا بالاستفادة من دراسات ونظريات حديثة ومتخصصة.
[1] الإمام أبوعَبْدالله محَمَّد بن إدريس الشَّافِعي (مُتوفَّى 204هـ/820م)، ديوان الإمام الشافعي، جمع وترتيب وتحقيق د. صَابر القَادِري، صفحة 109، المكتبة العصرية، بيروت، 1429هـ/2008م.
المقال التالي
الذكاء والقدرات العقلية
|