تُقدم سلسلة مقالات
رِحْلَةُ التَّعَلُّم
الكاتبة: نُهى عَلوي الحِبشي
ترسيخ الهوية
نبدأ السير في رحلة التعلم بأن نتعرف على هوية أنفسنا عن طريق تعلم مبادئ: اللغة، والدين، والتاريخ. فهي مسارات أساسية وضرورية حتى لا يتوه الفرد أثناء سيره في بقية مسارات الرحلة. فلا يقتصر معنى هُوِيَّة الفرد على اسمه ودينه وتاريخ ميلاده ومكان مولده، وغيرها من المعلومات التي قد تُثبت في بطاقة هويته، ولكن يتعمق معنى الهُوية إلى "إحساس الفرد بنفسه وفرديَّته وحفاظه على تكامله وقيمه وسلوكيَّاته وأفكاره في مختلف المواقف."[1]
اللغة
هي كل وسيلة لتبادل المشاعر والأفكار كالإشارات والأصوات والألفاظ. ومن الفطري أن كل فرد منا قد بدأ بتعلم لغته الأم منذ طفولته المبكرة، وبذلك قد تعرف على الأساس الأول لهويته. إلا إذا تم تعليم الطفل لغة أخرى بدلًا عن لغته الأم أو معها، فربما يؤدي ذلك إلى اكتسابه لهوية أخرى وقد لا يشعر بالانتماء إلى هوية اللغة الأم أو يخلط بين الهويتين. فالأفضل – برأيي – أن نقوم بتعليم أطفالنا أساسيات اللغة الأم أولًا فيتعرف على هويته الأم، ثم تعليمه لغة أو لغات أخرى في سن يستطيع التمييز فيه بين لغتين.
على كل فرد منا أن يرسخ هويته بأن يستمر في تعلم المزيد من الكلمات الجديدة والتراكيب الفصيحة والقواعد النحوية والإملائية حتى يتقن مهارات القراءة والكتابة والمحادثة والاستماع. وحيث أن اللهجة العامية للغة الأم مفيدة في التواصل غير الرسمي مع الآخرين في حياتنا اليومية، إلا أن اللغة الفصحى هي الوسيلة المعتمدَة للتواصل الرسمي ولقراءة الكتب وتعلم شتى العلوم التي نحتاجها في رحلتنا. ولهذا كانت اللغة الفصحى أول ما ينبغي على الفرد تعلمه.
النحو، الصرف، نشأة النحو وأصوله، العروض والقوافي، فقه اللغة، التجويد والأصوات، المعاجم اللغوية، اللهجات العربية والقراءات، علم اللغة العام، علم الدلالة، علوم البلاغة (المعاني، البيان، البديع)، النقد، نشأة البلاغة، تاريخ الأدب العربي والنصوص الأدبية، النقد الأدبي، الأدب الإسلامي، الأدب المقارن، أوزان الشعر وموسيقاه، فن المقال، التحرير الصحفي والإذاعي، الترجمة، الإعلام، فن المجلة والصحافة المتخصصة، فن المخطوطات، فن الإلقاء الإذاعي.[2]
التعليم، التأليف، الترجمة، الصحافة، الإعلام، تأصيل وتعريب الكلمات (مجامع اللغة)، التدقيق اللغوي.
الدين
يعود أصل الكلمة إلى الفعل دانَ بمعنى خضعَ وذلَّ وانقاد. ومن معاني الدين في اللغة العربية: اسم لجميع ما يُتعبَّد به، شريعة، قانون، عادة وشأن، ورع. وقد فطرنا الخالق سبحانه وتعالى على أن نشعر بالخضوع والذل والانقياد لرب عظيم خلقنا وخلق ما حولنا. فقد أخبرنا الله تعالى في سورة الأعراف: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174)".
فمن نشأ في أسرة مؤمنة، وبدأ بالتعرف على الدين منذ صغره، فقد تعرف على الأساس الثاني لهويته. وعليه ترسيخ هويته بزيادة اليقين بالدين، وذلك بأن يتعلم معتقدات الدين وشريعته من علماء الدين الذين لهم سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآلِه وسلم.
أما من نشأ في أسرة غير مؤمنة بأي دين، فقد يشعر بأزمة في هويته؛ بسبب عدم معرفته من خلقه، وما الهدف من وجوده في الحياة، وما مصيره بعد الموت، وغيرها من الأسئلة الغيبية. فعليه أن يبحث عن إجاباتها بعقل متجرد عن الأحكام المسبقة أو الانطباعات الخاطئة عن الدين. والإجابات الشافية موجودة – فقط – في الدين الحق المنزل من الخالق سبحانه، ومعرفة الإجابات وغيرها من معتقدات الدين وشريعته هي التي تشرِّع عبادات الفرد وعاداته وتضبط أسلوب رحلته في الحياة. ولهذا كان الدين الحق هو ثاني ما ينبغي على الفرد تعلمه في رحلة التعلم.
القرآن الكريم، علوم القرآن، التفسير، علوم الحديث، السيرة النبوية، الفقه، أصول الفقه، التوحيد والعقيدة، علم الكلام والمنطق، التشريع وقضايا عقدية معاصرة، فقه الاقتصاد الإسلامي، الملل والنحل، التصوف، الأخلاق، النظم الإسلامية، الفرق الإسلامية، الفقه المقارن، الدعوة، الحضارة الإسلامية.[3]
التعليم، التأليف، الترجمة، الإمامة والخطابة، البحث الشرعي، الإفتاء، كتابة العقود الشرعية، مجمع الفقه، مجمع البحوث الإسلامية، البرامج الدينية، الدعوة والإرشاد.[4]
التاريخ
هو العلم الذي يُعنى بتسجيل ودراسة الأحداث والأحوال التي يمر بها كائن ما أو فرد أو مجتمع أو ظواهر طبيعية. وغالبًا نبدأ بتعلم التاريخ منذ صغرنا عندما نسمع ما يرويه لنا أجدادنا أو والدينا من قصص ومواقف مرت بهم أو بغيرهم في زمن سابق، وربما يكتفي البعض منا بسماع بعض القصص التاريخية لمجرد التسلية، ولكن الغرض الحقيقي منها هو أخذ العظة والعبرة والاستفادة من تجارب السابقين وأخطائهم ونجاحاتهم، بالإضافة لترسيخ هوية الفرد عند معرفته بتاريخ مجتمعه، ثم تقبل اختلافات الآخرين عنه عند معرفته بتاريخهم. لذلك فإن تاريخ الأفراد والمجتمعات هو ثالث المسارات الضرورية لأي فرد يسير في رحلة التعلم.
تاريخ الأنبياء، تاريخ العرب قبل الإسلام وجغرافية الجزيرة، التاريخ والمؤرخون، السيرة النبوية، تاريخ الدولة الإسلامية، تاريخ الخلافة العثمانية، تاريخ الحركات الانفصالية في العالم الإسلامي ، تاريخ المغرب والأندلس، تاريخ الحضارة الإسلامية، تاريخ الحضارات القديمة في حوض البحر المتوسط وفي دول آسيا، الآثار الإسلامية والعربية، حركة الاستشراق والمستشرقين، تاريخ أوروبا في القرن التاسع عشر، تاريخ أوروبا الحديثة والمعاصرة، تاريخ الأمريكيتين، تاريخ الحركة الصهيونية، تاريخ الاستعمار الأوروبي في آسيا وأفريقيا، علم الكتابة العربية، تاريخ الفنون الإسلامية، تاريخ الفكر الإسلامي، تحقيق المخطوطات.[5]
التعليم، التأليف، الترجمة، المتاحف والآثار، الإرشاد السياحي.
قدرات عقلية تساعد في ترسيخ الهوية
"يعني قدرة الفرد على تناول ومعالجة واستخدام بناء اللغة ومعانيها في المهام المختلفة سواء في التعبير عن النفس أو في مخاطبة الآخرين. ويعني الذكاء اللغوي أيضًا القدرة على تناول ومعالجة واستخدام بناء اللغة وأصواتها سواء كان ذلك شفويًا أو تحريريًا بفاعلية في المهام المختلفة وفهم معانيها المعقدة والتي تُظهر في مجملها درجات عالية من الذكاء مثل المؤلف والشاعر والصحفي والخطيب والمذيع."[6]
- الذكاء الشخصي الخارجي (الاجتماعي)
"يعني قدرة الفرد على التواصل والتفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الآخرين. ويعني القدرة على اكتشاف وفهم الحالة النفسية والمزاجية للآخرين ودوافعهم ورغباتهم ومقاصدهم ومشاعرهم والتمييز بينها والاستجابة لها بطريقة مناسبة، وهذا الذكاء يضم الحساسية للتعبيرات الوجهية والصوت والإيماءات، وهو يظهر بوضوح لدى المعلم الناجح والأخصائي الاجتماعي والسياسي."[7]
ميول مهنية تساعد في ترسيخ الهوية
حب التعامل مع الأفكار والنظريات، والاستمتاع بالقراءة والتحليل والاستكشاف وإدراك العلاقات وتقصي المشكلات والقيام بالأبحاث والنقاشات الفكرية، والاهتمام بالمعرفة والملاحظة والإنجاز عن طريق التفكير.[8]
حب التعامل مع الناس والعمل ضمن فريق، والاستمتاع بالتواصل مع الآخرين ومساعدتهم وإرشادهم والتعاطف معهم وفهمهم والصبر عليهم، والاهتمام بالقضايا التعليمية والتربوية والاجتماعية.[9]
نستطيع أن نرسخ هويتنا بأن نتعمق تدريجيًا – كل منا حسب قدراته وميوله واحتياجاته – في تعلم أسرار اللغة والدين والتاريخ والاستفادة من كنوزها، باختيار السير في بعض مساراتها الفرعية، أو بالعمل في أحد المجالات المهنية المذكورة في المقال أو في مجالات أخرى مناسبة لها قد يُذكرنا بها القراء الأعزاء في التعليقات أسفل الصفحة.
|