تُقدم سلسلة مقالات
رِحْلَةُ التَّعَلُّم
الكاتبة: نُهى عَلوي الحِبشي
المدرسة التقليدية
هل نتذكر اسم أول مدرسة في رحلة تعلمنا؟ كم كانت أعمارنا حينها؟ وهل ما زال تأثيرها – الإيجابي أو السلبي – مغروسًا فينا إلى الآن؟
أول ما قد يخطر في ذاكرتنا هو اسم مدرسة المرحلة التمهيدية أو الابتدائية التي كنا فيها منذ سن السادسة أو السابعة تقريبًا، ولكن في الحقيقة إن أول مَدرَسة ومُدرِّسة لنا هي أول اسم نطقته شفاهنا "ماما". فبالرغم من أننا كأفراد بالغين لا نستطيع غالبًا استرجاع ذكريات السنوات الست الأولى من حياتنا – وهو ما أكدته تجارب ونظريات علم النفس – إلا أننا جميعًا احتجنا حينها إلى من علمتنا نطق الكلمات الأولى، ودربتنا على مشي الخطوات الأولى، وعرفتنا على الوجوه والأسماء والألوان. بالإضافة إلى أن كثير من قيمنا وأخلاقنا وسلوكياتنا مستمدة من والدينا، حتى وإن تأثرنا بغيرهم لاحقًا.
ويعتقد بعض الناس أن مسؤولية الوالدين تقتصر على رعاية صحة الطفل وتلبية احتياجاته المادية والنفسية، وقد يغفلون عن اكتشاف أنواع الذكاء والقدرات العقلية وحب الاستطلاع لديه. فنرى من الأخطاء الشائعة تجاهل الوالدين لأسئلة الطفل الفضولية، أو عدم اكتشاف ميوله الشخصية وتنمية قدراته ومواهبه، أو أن يفوض الوالدان المدارسَ للقيام بدور التربية والتعليم بالكامل. ومن هذه الأخطاء وغيرها تبدأ أولى صعوبات رحلة التعلم في حياتنا والتي ألخصها في كلمة "مدرسة تقليدية"، فمثلًا:
- حين تقلد الأم صديقاتها في طرق خاطئة لتدليل الطفل فإنها "مربية تقليدية"!
- حين يقلد الأب أباه في الطرق الخاطئة لتوبيخ الطفل فإنه "مربي تقليدي"!
- حين يقلد المُدرس زملاءَه في أساليب تلقينية لتعليم الطالب فإنه "مُدرس تقليدي"!
- حين تقلد المَدرسة المدارسَ الأخرى في مظاهر شكلية فقط فإنها "مَدرسة تقليدية"!
فإذا وجدنا أنفسنا عند مربي أو مُدرس تقليدي أو في مَدرسة تقليدية، فإن رحلة تعلمنا تتعرض للعديد من الصعوبات مثل:
- أخلاق وسلوكيات سيئة
- مشاكل نفسية وجسدية
- ضعف التذكر والاستفادة من التعليم التلقيني
- سطحية التفكير وضيق الوعي
ولا شك أننا إذا واجهنا في طفولتنا مثل هذه الصعوبات فلن نستطيع السير في رحلة التعلم بسهولة، وقد يستمر ضررها علينا حتى نكبر، فمن الأفضل أن نسارع في علاج أنفسنا منها، وأن نحافظ على أطفالنا أو إخوتنا منها. ومن طرق العلاج:
- مجالسة ذوي الأخلاق والسلوكيات الحسنة والتدرب عليها
- التداوي عند الأطباء والأخصائيين النفسيين حين الشعور بالحاجة لذلك
- الاستعانة بوسائل التعلم غير التقليدية مثل التعلم الإلكتروني والتعلم الفردي والتعلم بالترفيه
- قراءة الكتب وحضور البرامج التوعوية
ولا يخفى على كل ذي لب ما للأم الواعية والحريصة – غير التقليدية – من دور جوهري في توفير وسائل العلاج السابقة وغيرها لتذليل رحلة التعلم لأبنائها وبناتها. ولعلنا نستحضر أبيات الشاعر حافظ إبراهيم:[1]
مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ
يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ يَحذَرنَ رِقبَتَهُ وَلا مِن واقي
يَفعَلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِياً عَن واجِباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ
في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ
كَلّا وَلا أَدعوكُمُ أَن تُسرِفوا في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي
فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ
رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ
وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي
|