تُقدم سلسلة مقالات
رِحْلَةُ التَّعَلُّم
الكاتبة: نُهى عَلوي الحِبشي
الاجتهاد والمثابرة
تعرفنا في المقالين السابقين على المفاتيح الأولى في رحلة التعلم، وهي الذكاء والقدرات العقلية، والحرص وحب الاستطلاع، وهي تعتبر كالشرارة التي تشعل فينا الرغبة لنبدأ السير على طريق الرحلة. أما مفاتيح الرحلة التي تزودنا بالوقود الذي لا نستطيع الاستمرار في التعلم بدونه فنتعرف عليها في هذا المقال وفي المقال التالي إن شاء الله.
ماذا نعني بالاجتهاد والمثابرة؟
يقال في اللغة العربية "اجتهد في الأمر: بذل ما في وسعه، لم يقعد عن السعي"[1]، و"ثابر على الأمر: واظب عليه وداوم."[2] فعندما نجتهد في التعلم نفعل أقصى ما نقدر لتحصيل العلم، وإن "المثابرة تعني القدرة على الاستمرار في العمل على الرغم من الصعوبات والمعوقات والظروف غير الملائمة."[3] فمن المرادفات المشابهة لمعنى المثابرة: الاجتهاد، المواظبة، صلابة الإرادة، الإقدام، الصمود، المتابعة، التحمل.
لما نهتم بالاجتهاد والمثابرة؟
لا تقتصر أهمية الاجتهاد والمثابرة على كونها متطلبات أساسية للتعلم، بل تمتد أهميتها إلى تحقيق النجاح والتغيير والقيادة بصفة عامة، فيعتبر الاجتهاد والمثابرة:
قد نمتلك القدرات العقلية والمعلومات المعرفية اللازمة للنجاح، مع تحديد الهدف والبدء في تنفيذه، ولكنها لا تكفي للنجاح بدون بذل الجهد والالتزام لمواجهة العقبات التي قد تعيق تنفيذنا للهدف.[4]
إن الاجتهاد والمثابرة ضرورية لأي فرد يريد أن يغير أمرًا بشكل جيد، فقد يتطلب التغييرُ الكثيرَ من الوقت، والجهد، والشجاعة، والصبر، وقدرة التحمل.[5]
يركز القادة المتميزون على التزامهم بإكمال المهام، ويواظبون عليها بجد حتى يحققوا الأهداف والدوافع الخاصة بهم أو بمنظماتهم.[6]
وذكر د. أرثر كوستا و د. بنا كاليك (Dr. Arthur Costa & Dr. Bena Kallick) من مميزات الشخص المثابر أنه:[7]
- يستخدم أساليب منهجية لتحليل المشكلات
- يميز بين الأفكار الفعالة والمفيدة وتلك غير الفعالة وعديمة الفائدة
- يفكر في بدائل عديدة عند حل المشكلات
- يستكشف المهام باستمرار بينما يراقب أداءه فيها
كيف نقوي الاجتهاد والمثابرة؟
إن تقوية الاجتهاد والمثابرة تعتمد على تطوير أفعالنا التي نكتسب بها العلم، أي التدرب على مهارات التعلم والاستذكار. وفيما يلي توضيح مختصر عن كل مهارة منها:[8]
وهو عبارة عن إعداد جدول لتوزيع الوقت بنسب معقولة على المواد التعليمية، والالتزام بتنفيذ الجدول.
تعني أن يقوم طالب العلم بدراسة المادة التعليمية بتعمق اعتمادًا على فهم كل جزء منها، والتفكر في بعض الأجزاء، وإعادة قراءة بعض الأجزاء، وأن يتذكر أنه يقرأ مادة تحتاج إلى التحليل والفهم، وليس مادة ترفيهية.
أي عدم انشغال طالب العلم أثناء الدراسة في أشياء أخرى تلفت نظره أو تشوش سمعه أو تشتت تفكيره، وذلك بالتعلم في مكان خالٍ من الملهيات، وفي غير أوقات الإرهاق، مع الشعور بأهمية ما يتعلم.
الاستماع الجيد للمعلم يسهل فهم المادة، وضعف الإنصات ينتج غالبًا من قلة تركيز الطالب، وعدم حب المادة، وعدم قراءة الدرس قبل الشرح، وضعف الرغبة في التعلم، وضعف مهارة تسجيل النقاط المهمة من شرح المعلم.
وهو يعتمد على الفهم، كحفظ آية قرآنية كريمة أو حديث نبوي شريف، أو قصيدة أو حكمة مأثورة، أو قانون رياضي أو تعريف علمي. فحفظ الكلام المفهوم يكون أسرع وأيسر وأثبت في الذاكرة من حفظ الكلام الغامض.
وهي مهمة لتثبيت ما تم تعلمه، ولتسهيل تذكره. وتساعد مراجعة الدروس القديمة على فهم ومتابعة الدروس الجديدة المبنية على ما سبقها.
ووصف د. إبراهيم الفقي – يرحمه الله – طريقة عملية للاجتهاد والمثابرة و "للوصول إلى التنفيذ السليم:
- اكتب ثلاثة أهداف تريد تحقيقها.
- ضع خطة لكل واحدة من هذه الأهداف.
- كوِّن إحساسًا بالضرورة والسرعة.
- ابدأ حالًا في التنفيذ.
- أكد لنفسك يوميًا أنك قادر على تحقيق أهدافك.
- استعمل قاعدة الـ "10 سنتمترات"، تصرف فورًا وتقدم على الأقل لمسافة 10 سنتمترات تجاه هدفك كل يوم.
- تصرف وكأنك قد نجحت فعلًا.
- لا تقارن نفسك بأي شخص آخر، ولكن قارن نفسك بما كنت فيه من قبل وما الذي ستكون عليه في المستقبل.
- ركز على النتائج وليس على الخطوات، وتصرف الآن." [9]
وحذر من سببين يمنعان الناس من تفعيل إمكاناتهم:[10]
- الخوف (من الفشل، من عدم التقبل، من المجهول، من النجاح)
- المماطلة (التأجيل)
ووصى أ.د. عبد الكريم بكار بالقيام بما يلي لترسيخ صفة المثابرة:[11]
- تنمية خلق الصبر على الاستمرار في العمل وعلى قهر الصعاب وعلى حرمان النفس من بعض الملذات
- إتقان العمل لأنه يحتاج إلى وقت وأناة وبالتالي ينمي المثابرة
- تحديد حلم وهدف نسعى إليه
- إدراك أن الجهد قد يأتي بنتيجة وقد لا يأتي لذلك علينا تشجيع المحاولات مهما تكن النتيجة
- تنمية اليقين بأن آثار كل عمل إيجابي لا تضيع أبدًا فقد تُرى عاجلًا أو آجلاً في الدنيا أو الآخرة
- التشجيع على العمل الجماعي للمساعدة على مقاومة الملل
- تخيُّل ما يمكن الحصول عليه من نتائج عظيمة بسبب الاجتهاد والمثابرة
ومن المعروف أن أجسامنا لا تتحمل بذل الجهد في التعلم والمثابرة عليه إذا لم نتزود بطعام أو نحتمي بمسكن أو نكتسي بملبس وغيرها من ضروريات الحياة؛ فنحتاج إلى امتلاك ما نتبلغ به إلى ما سبق. لذلك سنتطرق في المقال التالي – إن شاء الله – على معنى وأهمية وكيفية تنمية البُلغة التي ذكرها الإمام الشافعي:[12]
أخي لَن تَـنَــالَ العِـلْمَ إلَّا بِـسِـتَّـةٍ سأُنبيك عَنْ تَـفْـصيلِهَا بِبَيانِ
ذَكَاءٌ، وَحِرْصٌ، واجـتِهَادٌ، وَبُلْغَةٌ وَصُحْبَةُ أُسْتَـاذٍ، وَطُـولُ زَمَـانِ
[5] Dr. Arthur Costa, & Dr. Bena Kallick, Leading and Learning with Habits of Mind: Sixteen Essential Characteristics for Success, ISBN 978-1416607410, Association for Supervision & Curriculum Development, Alexandria (VA, USA), 2008, pages 294-295.
[6] Dr. Arthur Costa, and Dr. Bena Kallick, the previous reference, page 387.
[7] Dr. Arthur Costa, and Dr. Bena Kallick, the previous reference, pages 78-79.
|