تُقدم سلسلة مقالات
رِحْلَةُ التَّعَلُّم
الكاتبة: نُهى عَلوي الحِبشي
صُحبة الأستاذ
بعد أن تعرفنا على وقود رحلة التعلم من المقالين السابقين: الاجتهاد والمثابرة والبُلْغَة (المال الكافي)، نحتاج إلى من يرشدنا في رحلتنا حتى لا نضل الطريق، وكلما حسُنَت علاقتنا مع هذا المرشد صارت الرحلة أكثر متعة وفائدة.
ماذا نقصد بصحبة الأستاذ؟
من المعروف أن معاني أستاذ في اللغة العربية تشمل: "معلم، من يمارس تعليم علم أو فن. لقب علمي جامعي، وهو على درجات، أستاذ مساعد وأستاذ مشارك وأستاذ. لقب احترام يطلق عادة على المثقفين من كتاب وشعراء ومحامين وغيرهم. ماهر في صناعة يعلمها غيره."[1] وذكر الإمام الشافعي في أبياته الشعرية صفة العلاقة التي ينبغي أن تربط طالب العلم بأستاذه:
أخي لَن تَـنَــالَ العِـلْمَ إلَّا بِـسِـتَّـةٍ سأُنبيك عَنْ تَـفْـصيلِهَا بِبَيانِ
ذَكَاءٌ، وَحِرْصٌ، واجـتِهَادٌ، وَبُلْغَةٌ وَصُحْبَةُ أُسْتَـاذٍ، وَطُـولُ زَمَـانِ
وأساس معنى الصحبة هو المرافقة والملازمة،[2] وتتضمن الصحبة الجيدة الإخلاص، والانصات، والصراحة والنصيحة، والشكر والوفاء، وغيرها.
لماذا نهتم بصحبة الأستاذ؟
يقوم الأستاذ بمهمات أساسية لا يمكن لطالب العلم أن يستغني عنها للنجاح في رحلة التعلم، تتلخص في التالي:
فبدون خطة توضح أهداف ومنهج المادة التعليمية، وتسلسل دروسها، وطرق تدريسها، سيتوه طالب العلم، فقد يبدأ بتعلم دروس تعتمد على دروس سابقة لم يتعلمها بعد، أو يستخدم طرقًا غير فعالة للتعلم.
فلا يكفي طالب العلم أن يشاهد أو يستمع إلى تسجيل مرئي أو صوتي لأستاذ يشرح درسًا بدون وسيلة للتواصل بينهما؛ لأن طالب العلم يحتاج إلى الاستفسار عن الأمور التي لم يفهمها من الدرس، وهنا تكمن أهمية الأستاذ للإجابة عليه وتوضيح ما صعب عليه فهمه بطريقة أخرى مناسبة لنوع ذكائه، إما بالتواصل المباشر في أماكن الدراسة أو بالتواصل الإلكتروني.
إذا أراد طالب العلم أن يُعلِّم غيره عن أحد المجالات، فلا يمكنه الاكتفاء بقراءة الكتب المتخصصة عن ذلك المجال، ثم يبدأ بالتعليم أو الفتوى مثلًا، بل عليه أن ينال شهادة (أو رخصة أو إجازة) تشهد له وتؤهله لأن يُعلم غيره في مجاله؛ حتى يتم التأكد من أن ما فهمه من الكتب وكيفية تطبيقه صحيح أم لا. ويتم هذا التأكد بواسطة الامتحانات والتقييم، التي يشرف عليها أساتذة مؤهلون وموثوقون تعلموا على يد أساتذة مؤهلين وموثوقين وهكذا تستمر السلسلة الموثقة حتى منبع كل علم.
كيف نقوي صحبة الأستاذ؟
حتى تثمر المهمات السابقة ثمارًا إيجابية في رحلة التعلم، لا ينبغي أن تكون علاقة طالب العلم بأستاذه علاقة سيئة أو حتى عادية، بل يجب أن تكون صحبة جيدة تتميز بما يلي:
أي أن يواظب طالب العلم على حضور دروس أستاذه، ويمكن أن يمشي الطالب مع أستاذه بعد الدرس أحيانًا يساعده في حمل أغراضه أو يستشيره في أمر شخصي فيستفيد من خبرة أستاذه. وعلى الأستاذ أن يتواضع معه.
وهو مطلوب من طالب العلم والأستاذ، فيحاول طالب العلم أن يتعلم بإخلاص واجتهاد، ويحاول الأستاذ أن يُعلِّم بإخلاص واجتهاد، فيبذل كل منهما أقصى جهدهما بإتقان بنية إرضاء الله بالعلم النافع لنفسه ولغيره.
فيستمع طالب العلم باهتمام إلى شرح أستاذه، وأيضًا يستمع الأستاذ باهتمام إلى أسئلة طالب العلم مهما كانت.
المقصود أن يوقر ويحترم طالبُ العلم أستاذَه، ويرحم ويعطف الأستاذ على طالب العلم. فإن من طبيعة العلاقة السوية بين البشر أن يوقر الصغيرُ الكبيرَ، ويرحمُ الكبيرُ الصغيرَ.
فإذا لاحظ الأستاذ تقصيرًا من طالب العلم، كالغياب أو السرحان، فعليه أن يناقشه سرًا، وعلى طالب العلم أن يصارحه بأسبابه فقد ينصحه الأستاذ أو يعذره. وكذلك طالب العلم عندما يعاني من شيء يفعله أستاذه بدون قصد، كانخفاض صوته أثناء الشرح أو صغر خطه، فعليه أن يصارحه بأدب سرًا، وعلى الأستاذ أن يتقبل ذلك ويستجيب ولا يكابر أو يعاند.
فيشكر طالبُ العلم أستاذَه على جهده خاصة عند نهاية المقرر الدراسي أو السنة الدراسية، ومن الوفاء أن تستمر العلاقة بينهما بعد ذلك كتبادل تهاني الأعياد والاطمئنان على الصحة والأحوال.
ويستطيع أي طالب علم أن ينشئ ويقوي علاقة صحبة مع أساتذته باتباع هذه الإرشادات:[3]
- استمع لهم باهتمام واحترام أثناء دروسهم.
- اجتهد في تعلم المواد الدراسية.
- أخبرهم أنك تطمح إلى التفوق في موادهم.
- اطرح الأسئلة عليهم بلباقة وأدب أثناء الدرس.
- احمل كتاب المادة معك عندما تذهب إليهم لتسألهم عن المعلومات غير المفهومة.
- حاول جيدًا أن تفهم وجهة نظرهم وتحترمهم عند الاختلاف معهم.
- إذا أخطأت في حقهم اعترف واعتذر بسرعة وصراحة.
- خاطبهم بأسمائهم كأستاذ فلان وليس فقط أستاذ. (وبعض الأساتذة قد يطلبوا منك أن تخاطبهم بأسمائهم المجردة بدون صفة أستاذ أو دكتور – خاصة في بعض الدول – فيمكنك الاستجابة لطلبهم).
- ابتسم لهم.
عندما نطبق ما سبق ونقوي صحبتنا بمعلمينا، تحلو لنا رحلة التعلم، ونسير في مساراتها المتعددة والمتشعبة ببصيرة مستمدة من إرشاداتهم وخبرتهم طول الحياة.
|